سورة الروم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ} ذكر أهل التفسير في سبب نزولها أنه كان بين فارس والروم حرب فغلبت فارس الرُّومَ، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه، فشقَّ ذلك عليهم، وفرح المشركون بذلك، لأنَّ فارس لم يكن لهم كتاب وكانوا يجحدون البعث ويعبُدون الأصنام، والرُّوم أصحاب كتاب، فقال المشركون لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أُمِّيُونَ، وقد ظهر إِخواننا من أهل فارس على إِخوانكم من الرُّوم، فان قاتلتمونا لَنَظْهَرَنَّ عليكم، فنزلت هذه الآية، فخرج بها أبو بكر الصديق إِلى المشركين، فقالوا: هذا كلام صاحبك، فقال: اللّهُ أَنزل هذا، فقالوا لأبي بكر: نراهنك على أن الروم لا تغلب فارس، فقال أبو بكر: البِضْع ما بين الثلاث إِلى التسع، فقالوا: الوسط من ذلك ست، فوضعوا الرِّهان، وذلك قبل أن يُحرَّم الرِّهان، فرجع أبو بكر إِلى أصحابه فأخبرهم، فلاموه وقالوا: هلاَّ أقررتَها كما أقرَّها الله؟! لو شاء أن يقول: ستاً، لقال! فلمَّا كانت سنة ست، لم تظهر الروم على فارس، فأخذوا الرهان، فلمَّا كانت سنة سبع ظهرت الرُّومُ على فارس. وروى ابن عباس، قال: لمَّا نزلت: {آلم غُلِبَت الرُّومُ} ناحب أبو بكر قريشاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا احتطتَ، فانَّ البِضْع ما بين السبع والتسع»، وذكر بعضهم أنهم ضربوا الأجَل خمس سنين، وقال بعضهم: ثلاث سنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنما البِضْع ما بين الثلاث إِِلى التسع»، فخرج أبو بكر فقال لهم: أُزايدُكم في الخطر وأَمُدُّ في الأجَل إِلى تسع سنين، ففعلوا، فقهرهم أبو بكر، وأخذ رهانهم وفي الذي تولَّى وضع الرهان من المشركين قولان:
أحدهما: أُبيُّ بن خلف، قاله قتادة.
والثاني: أبو سفيان بن حرب، قاله السدي.
قوله تعالى: {في أدنى الأرض} وقرأ أُبيُّ بن كعب، والضحاك، وأبو رجاء، وابن السميفع: {في أَداني الأرض} بألف مفتوحة الدال، أي: أقرب الأرض أرض الروم إِلى فارس. قال ابن عباس: وهي طرف الشام.
وفي اسم هذا المكان ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الجزيرة، وهي أقرب أرض الروم إِلى فارس، قاله مجاهد.
والثاني؛ أذْرِعات وكَسْكَر، قاله عكرمة.
والثالث: الأردنُّ وفلسطين، قاله السدي.
قوله تعالى: {وهم} يعني الروم {مِنْ بَعْدِ غَلَبهم} وقرأ أبو الدرداء، وأبو رجاء، وعكرمة، والأعمش: {غَلْبهم} بتسكين اللام؛ أي: من بعد غلبة فارس إِيَّاهم. والغَلَب والغَلَبة لغتان، {سيَغْلِبون} فارس في {بِضْع سنينَ} في البِضْع تسعة أقوال قد ذكرناها في [يوسف: 42] قال المفسرون: وهي هاهنا سبع سنين، وهذا من علم الغيب الذي يدل على أن القرآن حق، {لله الأمر مِنْ قَبْلُ ومن بعدُ} أي: من قبل ان تُغلَب الروم ومِنْ بَعْد ما غَلبت؛ والمعنى: أن غَلَبة الغالب وخِذْلان المغلوب، بأمر الله وقضائه {ويومَئذ} يعني يوم غلبت الرومُ فارس {يَفرح المؤمنون بنصر الله} للروم. وكان التقاء الفريقين في السنة السابعة من غَلَبة فارس إِيَّاهم، فغلبتْهم الرُّوم، وجاء جبريلُ يخبر بنصر الروم على فارس، فوافق ذلك يوم بدر، وقيل: يوم الحديبية.


قوله تعالى: {وَعْدَ الله} أي: وَعَدَ اللّهُ وَعْداً {لا يُخْلِفُ اللّهُ وَعْدَهُ} أنَّ الرُّوم يَظهرون على فارس {ولكنَّ أكثر النَّاس} يعني كفار مكة {لا يَعلمون} ان الله لا يُخْلِف وعده في ذلك.
ثم وصف كفار مكة، فقال: {يَعْلَمون ظاهراً مِنَ الحياة الدُّنيا} قال عكرمة: هي المعايش. وقال الضحاك: يعلمون بنيان قصورها وتشقيق أنهارها. وقال الحسن: يعلمون متى زرعهم ومتى حصادهم، ولقد بلغ واللّهِ مِنْ عِلْم أحدهم بالدنيا أنه ينقُر الدرهم بظُفره فيُخبرك بوزنه ولا يُحسن يصلِّي.
قوله تعالى: {وهم عن الآخرة هم غافلون} لأنهم لا يؤمنون بها. قال الزجاج: وذِكْرهم ثانية يجري مجرى التوكيد، كما تقول: زيد هو عالم، وهو أوكد من قولك: زيد عالم.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّروا في أنفُسهم} قال الزجاج: معناه: أولم يتفكروا فيعلموا، فحذف {فيعلموا} لأن في الكلام دليلاً عليه. ومعنى {إِلاَّ بالحقِّ} إِلاَّ للحق، أي لإِقامة الحق {وأجلٍ مسمّىً} وهو وقت الجزاء {وإِنَّ كثيراً من الناس بلقاء ربِّهم لَكافرون} المعنى: لكافرون بلقاء ربِّهم، فقدِّمت الباء، لأنها متصلة ب {بكافرون}؛ وما اتصل بخبر {إِنَّ} جاز أن يقدَّم قبل اللام، ولا يجوز أن تدخل اللام بعد مضي الخبر من غير خلاف بين النحويين، لا يجوز أن تقول: إِن زيداً كافرٌ لَبِالله، لأن اللام حَقُّها أن تدخل على الابتداء أو الخبر، أو بين الابتداء والخبر، لأنها تؤكِّد الجملة. وقال مقاتل في قوله: {وأَجَلٍ مسمّىً}: للسموات والأرض أَجَل ينتهيان إِليه، وهو يوم القيامة، {وإِنَّ كثيراً مِنَ الناس} يعني كفار مكة {بِلِقاء ربِّهم} أي: بالبعث {لَكافرون}.


قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسيروا في الأرض} أي: أَوَلَمْ يسافروا فينظروا مصارع الأُمم قبلهم كيف أُهلكوا بتكذيبهم فيعتَبروا.
قوله تعالى: {وأثاروا الأرض} أي: قلبوها للزراعة، ومنه قيل للبقرة: مثيرة. وقرأ أُبيُّ بن كعب، ومعاذ القارئ، وأبو حيوة: {وآثَرُوا الأرض} بمد الهمزة وفتح الثاء مرفوعة الراء، {وعَمَرُوها أكثرَ مِمَّا عَمَرُوها} أي: أكثر من عِمارة أهل مكة، لطول أعمار أولئك وشدة قوَّتهم {وجاءتهم رسُلُهم بالبيِّنات} أي: بالدَّلالات {فما كان الله لِيَظْلِمهم} بتعذيبهم على غير ذنب {ولكن كانوا أنفُسَهم يَظْلِمون} بالكفر والتكذيب؛ ودلَّ هذا على أنهم لم يؤمنوا فأُهلكوا.
ثم أخبر عن عاقبتهم فقال: {ثُمَّ كان عاقبةَ الذين أساؤوا السُّوأى} يعني: الخَلَّة السيِّئة؛ وفيها قولان:
أحدهما: أنها العذاب، قاله الحسن.
والثاني: جهنم، قاله السدي.
قوله تعالى: {أن كذَّبوا} قال الفراء: معناه: لأن كذَّبوا، فلمَّا أُلقيت اللامُ كان نصباً. وقال الزجاج: لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم. وقيل: السُّوأى مصدر بمنزلة الإِساءَة؛ فالمعنى: ثم كان التكذيب آخرَ أمرهم، أي: ماتوا على ذلك، كأنَّ الله تعالى جازاهم على إِساءَتهم أن طبع على قلوبهم حتى ماتوا على التكذيب عقوبةً لهم. وقال مكي بن أبي طالب النحوي: {عاقبةُ} اسم كان، و{السُّوأى} خبرها، و{أن كذَّبوا} مفعول من أجله؛ ويجوز أن يكون {السُّوأى} مفعولة ب {أساؤوا}، و{أن كذَّبوا} خبر كان؛ ومن نصب {عاقبةَ} جعلها خبر {كان}، و{السُّوأى} اسمها، ويجوز أن يكون {أن كذَّبوا} اسمها. وقرأ الأعمش: {أساؤوا السُّوءُ} برفع {السُّوءُ}.
قوله تعالى: {الله يبدأ الخَلْق ثم يُعيدُه} أي: يخلُقهم أوّلاً، ثم يعيدهم بعد الموت أحياءً كما كانوا، {ثُمَّ إِليه تُرْجَعون} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {تُرْجَعون} بالتاء؛ فعلى هذا يكون الكلام عائداً من الخبر إِلى الخطاب وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: بالياء، لأن المتقدِّم ذِكْره غَيبة، والمراد بذِكر الرجوع: الجزاءُ على الأعمال، والخَلْق بمعنى المخلوقين، وإِنما قال: {يُعِيده} على لفظ الخَلْق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5